السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
رصــيف الحـــياة .. ~
اعتدتُ كُلَ صباح على رؤيةِ ذلك الفقير الذي اتخذَ الحديقة المجاورة بيتاً لهُ
يسكُنُها وحده / دون قريب أو صديق
يكسوهُ لباس لا يتغير طوال السنة / صيفاً كان أم شتاء
يخبئُ خلفهُ ملامح جسدهِ الممتلىء ,, يخبئ قوةً يغلبُها الجُوع مع إطلالة كُل يومٍ جديد
يكشفُ لِباسهُ عن لا شيء سِوى رجلهُ اليمنى المصابة
و جروحُها التي أصبحت جزء من منظر يومي الباكر
في السابعة و الخمسون دقيقة ,, أُقابلهُ كل يوم
بِجوار المقهى الذي احتسي فيه قهوتي
و بذات اللحن , بذات المكان
يتمنى لي صباح جميل
و لا شيءٌ آخر سوى تلك الكلمتين
ذات مره بادرتُ بإلقاء السلام عليه
لأجدهٌ مبتسماً مرحباً و كأنهُ أفاق على حالٍ غير الذي أعتاد
قال بعجلة: ألديكِ وقتاً لسؤال .؟
- دقيقة هي كل ما أملك الآن .!
- أراكِ كل صباح مبتسمة , بذات الوقت تخرجين من منزلك و ذاته كل مساءٍ تعودين
أفترضتُ أنكِ طالبة فحقيبتك أوحت لي بذلك
تتوجهين باكراً مسرعه فخمنت أيضاً أنكِ تستقلين باص الجامعة أو ربما سيارة أجرة
تعودين منهكة , مشغولة الفكر , متعبة الملامح / غالباً لا تنظرين حولكِ حين تكونين كذلك
بيدك دوماً رواية أو ربما يكونُ كتابٌ عتيق , وَ ...
- أستخبرني في ستون ثانية من أنا .؟
- أنني أخبركِ عن حياةٍ أشاهدها لا أعرف معناها .!
أتلمسها بالنظر , و بالخيال أنسج حكاياها..
كثيراً هم الأناس الذين يخطون على هذا الرصيف ليصل بهم لمكانٍ آخر
منهكون بأعمالهم ,, لا يعلم أحداً منهم أنهُ يملُك نعمة .!
و أن فقيراً على الرصيف أكمل اليومَ ثلاثون عام و هو يشاهد ما تسمى حياة
دون أن يعرف لها معنى
- من يسلب الفقير حياته, من يسلبه حقه .؟
- ذاته أو ربما كل شيء حوله إلا ذاته .!
- يبدو لي أنك لا تعلم ما تريد أو ماذا تفتقر .!
- أخبريني ما هو طعم الحياة .؟
- ما خلق الله في إنسانٍ هم و إلا خلق لغيره أشد منه
و ما رزق الله إنسانٌ شدة إلا ليعلم أن ربه سيرزقهُ بعدها خير
لا تبحث في حياة الغير لتصنع حياةً لذاتك
بل أبحث فيما أعطاك الله لتعلم أن لا حياة تُسلب و أنت على قيدُها.
الحــيــاة ..
تجدها حين تجد أفضل ما بك , حين تفتش عن الصواب بين كل العيوب التي تكتسيك
حين تبحث عن قوتك في قمة ضعفك , حين تقهر ذاتك لتنصر ذاتك
حين تبكي من شدة الألم و لسانك يتمتم بحمد الله
حين تصرخُ حُزناً ليعود صدى صوتكَ غاضباً - قاتلاً
يُخبرك أنك وحدُك فتخبرهُ أن الله معك
تجدها حياة حين تقاتل من أجلها
حين تنزف دماً لتكسبها
حين تشربها عرقاً خره التعب من جبين الشقاء , فتعرف قيمتها
تجدها حياة حين تؤمن أن الله وهبك إياها أمانة
فتخشى عليها و تخاف
تجتهد لأجلها
تعمل , تصبر , تكابر , تجاهد
فقط من أجلها
من أجل يومٍ تُسئَلُ فيه عن طعمها
فتجيب : أنك جنيت منها ما يكفي من مرٍ و مرٍ و مر
ثم جنيت الرضا و السعادة
دمتم في حفظ الله ورعايتة